12 أغسطس 2023
مررت على إحدى المصطلحات التي تعبر عن طقسٍ ما شاع في أوساط الحضارة الرومانية القديمة، وهو مصطلح "الڤوميتوريام - Vomitorium" ، يعبر هذا المصطلح عن سلوك متعلق بتناول الطعام خصوصًا في الولائم والاحتفاليات في روما القديمة، فكان الفرد عندما يصل إلى حد التخمة، يدخل إلى غرفةٍ ما ويضع أصبعه داخل حلقه ليتقيأ الطعام المتواجد في معدته المتخمة ويفرغ مساحة إضافية لتناول الطعام مجددًا!
هذا السلوك يعبر عن الشهوة في أقصى درجات توحشها وتملكها للإنسان، حيث أصبحت شهوة غير قابلة للإشباع، وغير مستهدف من الأساس إشباعها بقدر ما هو مستهدف تعطيشها وإبقاؤها نشطة طوال الوقت مع مقاومة مستمرة لوصولها إلى حد الاكتفاء.
ولكن استوقفني سؤال جال في خاطري:
هل نعيش في عالم يحكمه هذا المصطلح ولكن في ثوبٍ جديد؟
هل لاحظت أننا أصبحنا لا نشبع من وسائل التواصل الاجتماعي؟ ولا نشبع من شراء أغراض جديدة؟ هل اشتريت من قبل سلعةٍ ما كنت مهووسًا باقتنائها وما لبثت أيام قليلة حتى حثتك نفسك (أو استحثتها) للركض والسعي وراء اقتناء سلعة أخرى؟ ثم أصبحنا جميعًا في دوامة غير قابلة للإشباع وتحكمها فكرة الاستهلاك الدائم المستمر غير المنقطع وغير القابل للاستنفاذ؟ فلا وجود لفكرة "الشبع" ولا صوت يعلو فوق صوت الاستهلاكية والشراء و"ترقية" كل شيء في حياتك، حتى وإن كنت قد وصلت إلى مرحلة "الشبع" في تلك الأشياء.
مررت على تقرير نشرته قناة "العربية" عن شخصٍ ما ورث مهمة البحث عن أحجار وصخور النيازك التي تساقطت من السماء داخل الصحراء، وعندما بحثت أكثر عن هذا الموضوع وجدت تقرير أقدم وأكثر استفاضة في قناة "هسبريس" المغربية، ثم وجدت عشرات القنوات والوثائقيات والأخبار عن هذه "المهنة" وانتشار صائدو النيازك الذين يجوبون مساحات شاسعة من الصحراء ويقضون أيام وساعات طويلة يتجولون وأعينهم لا تنظر سوى على الأرض ويتعرضون لمخاطر الضياع والتيه والجوع والعطش والأفاعي والعقارب، وأعتقد أن ذلك من أكثر المواضيع غرابة التي قابلتها في هذا العالم
تذكرت اقتباسًا للكاتب الروسي أنطون تشيخوف :
“في الخامسة عشرة من عمري عثرت في الطريق على ورقة من فئة الجنيه منذ أربعين سنة ومنذ ذلك لم أرفع وجهي عن الأرض وأستطيع الآن وأنا على حافة القبر أن أحصي محصول حياتي وأن أسرده كما يفعل أصحاب الثروات هكذا:
2917 زراراً – 44172 دبوساً – 12 سن ريشة – 3 أقلام – 1 منديل – ظهر محنى – حياة بائسة.”
قصة قصيرة بليغة تعبر عن حال كل من اتكل على الحظ كُليًا أو اعتمد على الصدفة بشكلٍ كامل لمجرد أنها وافقته الهوى ذات مرة.