تَكاثَرَتِ الظِّبَاءُ على خِرَاشٍ
فَما يَدْري خِرَاشٌ ما يَصِيدُ
مثل عربي قديم
يُحكى قديمًا أن رجلاً اسمه (خراش) كان ماهراً في الصيد، قد خرج إلى البرية ليصيد ظبي أو غزال، وبعد مسيرة طويلة وجد أمامه الكثير من الظباء، انتشى خراش؛ وأخرج سهمه ليصيد ظبيًا منهم، ولكنه كلما صوب سهمه نحو ظبي وجد آخر أفضل منه -أو هكذا ظن- فيتوجه إلى الآخر، ثم دار في هذه الحلقة المفرغة من الحيرة والتردد في اتخاذ القرار حتى فرت جميع الظباء وغلب عليه النوم دون أن يظفر بشيء من بغيته.. فعاد خراش بخفي حُنين وقال العرب فيه:
تكاثرت الظباء على خراشٍ، فما يدري خراش ما يصيد!
هل سألت نفسك: كم مرة تتكاثر عليك الظباء في اليوم الواحد؟
في العصر الحالي يندر أن تجد شيئًا ليس له أكثر من بديل، بل يكاد يصعب عليك أن تحصر كافة البدائل أو حتى تعرفها.. هل شعرت بشعور “خراش” في آخر مرة ذهبت فيها إلى التسوق أو معرض الكتاب أو محل ملابس أو أحذية أو ساعات؟ ربما يزداد هذا الشعور في العوالم الرقمية كذلك، تطبيقات التواصل الاجتماعي التي تتنقل بينهم خلال اليوم الواحد، متجر تطبيقات هاتفك الذي تحتار أمامه في تجربة التطبيقات المختلفة التي وصل عددها إلى الآلاف..
ولكن هل تدري متى يصل هذا الشعور إلى ذروة خطورته وقد يهدد مستقبلك؟
عندما يحتك هذا الشعور بـ حيز الأماني والرغبات في نفسك، فما عدت تدري أي الأحلام تطارد؟ ولأي الأهداف تسعى؟ و أي الأشياء أحق بأن تستثمر بها وقتك ومجهود وربما أموالك؟ فالكثير من الأشياء تبدو مغرية، وتبدو فرس الرهان الرابح..
أثناء كتابتي لهذه التدوينة القصيرة بتاريخ 2 سبتمبر 2022، أحببت فقط أن أذكر نفسي بأني -أنا وأنت- نحتاج آسفين إلى التنازل والزهد عن بعض الظباء. نعم.. هذا قرار بالغ الصعوبة، ويحتاج إلى حسم وشجاعة وإقدام، لا يمكنك تعلم 10 مهارات جديدة في وقتٍ واحد، ولا يمكنك العمل في 3 وظائف في آنٍ واحد، ولا يمكنك شراء 7 عقارات، ولا يمكنك في اليوم الواحد كتابة 4 مقالات، ولا يمكنك خلال العام الواحد كتابة 5 كتب، ولا يمكنك قراءة 20 كتاب في الشهر الواحد..
لا يمكننا سوى أن نسعى إلى “التقليلية” غير المتطرفة، ليس من باب إدعاء الزهد والترفع والعقلانية كما يذهب البعض أحيانًا، ولكن من باب الإلزام ومن باب النفعية البحتة، لأنه لم يعد بإمكاننا الاستمرار بنفس التردد والتشتت في هكذا عالم مليء بالاختيارات والمسالك..
ولكن ما هي تلك المعايير التي قد تساعدنا في انتقاء الظبي المناسب؟ وكيف نعرف سمات الظباء غير المناسبة لتجاهلها؟
هذا سؤال مفتوح للجميع، لا أستطيع الإجابة عنه في هذه التدوينة، وربما لا أستطيع أبدًا، لكني سأحاول البحث طويلاً للوصول إلى إجابة تمثل نموذج عملي وقابل للتطبيق على الأقل في حياتي الشخصية، وإن نجحت سأوثق ربما هذا النموذج بمعاييره المختلفة في تدوينة أخرى مستقلة..
كما هو واضح هذه ليست تدوينة طويلة ولا تقليدية، وإنما أردت أن أكتب عن هذه النقطة التي أعتقد أنها محورية، ليست في حياتي فقط، وإنما في حياة كل الأشخاص يعيشون في عصرٍ يفيض بكل شيء، سلبيًا كان أو إيجابيّ، لذلك.. هذه التدوينة كتبتها من باب طرح الأسئلة أكثر من الإجابة عليها، وكان الهدف من طرح هذا السؤال هو التفكير والبحث الجاد في الوصول إلى إجابة شافية والعمل بها.. وإن كنت قد وصلت إلى هنا، شكرًا جزيلًا على وقتك، ولا تنسى التفكير في الإجابة.. وربما مشاركتي بها إن أحببت.
أتمنى أن تكون هذه التدوينة قد أفادتك بأي نقطة، وأن لا أكون قد أضعت وقتك الثمين في قراءة كلمات لا فائدة منها.. إلى اللقاء في تدوينة قادمة