خدم الخليفة المعتضد العباسي واصفين “ابن المغازلي” والذي كان من أشهر حكائين العرب
فن السرد القصصي أو “الحكي” ظاهرةٌ اجتماعية قديمة تنتمي إلى تراثنا، اشتهر بها الفلكلور العربي ويعج تاريخنا بمتقنيها وروادها، فقد اشتهر حكواتيو العرب قديمًا بمهارات تقمص الأدوار وحفظ طريف الأخبار وقصص البلاد ونوادر العباد، ومن أشهر الحكواتيين الذين عرفهم العرب: (خالويه المكدي، وأبو الورد، والمنذر المغني، وابن المغازلي).
كان الناس قديمًا يجتمعون حول الحكواتي ليستمعوا منه لملاحم وقصص المغامرات ومآثر الأجداد، كسيرة عنترة بن شداد، وأبو زيد الهلالي، والظاهر بيبرس، في جوٍ مهيب مشحونٍ بالحماس والاهتمام لمتابعة وسماع كُل كلمة وعدم تضييع أي قصة أو حدث من السيرة التي قد تُروى على مدار شَهرٍ أو أكثر.
لقد لعب “الحكي” قديمًا أدوارًا عديدة بالمجتمع، أهمها على الإطلاق هو: تكوين الرأي والوعي لدى المتلقين بطريقة غير مباشرة في عقلهم الباطن وتشكيل الصورة الذهنية المُراد إيصالها.
من ضمن الأهداف الأساسية لأي فريق منتج هو إنشاء تأثير ساحر وصناعة رأي إيجابي حول منتجهم، يُبنى على “قصة” متقنة تروي القيمة المضافة للمنتج و”الحكاية” وراء صناعته.
يفتتح “جوناثان غوتشل” كتابه “الحيوان الحكاء: كيف تجعل منّا الحكايات بشرًا؟” بأن الإنسان كائن مولع بالقصة، حتى حين يخلد الجسد الإنساني للنوم، يظل العقل مستيقظاً طوال الليل، يروي القصص لنفسه. نحن مُغرمين بالقصص، وكل شيء تقريبًا يدور حول “قصةٍ” ما، والقصة رافقتنا بأشكالٍ مختلفة على مدار العصور البشرية المتتالية، ففي العصر الحديث أبرز مثال حاضر للقصة هي (اللعبة).. كل ألعاب الفيديو مهما اختلفت أنماطها ومنصاتها تدور حول قصة، واللعبة التي تكون قصتها مُحكمة وبها حبكة قوية وأحداث مكثفة يُكتب لها النجاح، وإن كانت اللعبة بدون قصة رائعة -مهما صُرف على إنتاجها الملايين- فإن مصيرها الفشل.. “القصة” هي التي تحكم كل شيء.. ولا تختلف المنتجات الرقمية عن الألعاب الرقمية في هذه النقطة كثيرًا، يجب أن يكون لكل منتج رقمي قصة.. قصة مُصاغة بشكلٍ فاتن، تجعل أكثر الناس انشغالاً يلتفوا حولك ليستمعوا إلى قصة منتجك وينصتوا إليها.. ولكن كيف السبيل إلى هذا؟ إليك نصائح واستراتيجيات سريعة مستوحاة من أبرز حكاء رقمي في العصر الحديث.. ستوديو “Pixar” للرسوم المتحركة..
اختطف انتباه المتلقي من خلال “لمس” عواطفه
يجب أن تتطرق بشكل سريع في بداية قصتك إلى نقطة عاطفية تجعل المتلقي شغوفًا ومتعلقًا بقصتك ويسعى للاستمرار في سماعها، كمدير منتج يجب أن تطرق إلى المشكلة التي يحلها منتجك، وهذه المشكلة يجب أن تكون مُحبطة أو مخيفة أو مزعجة للمستخدم.. يجب أن تكون مثيرة لمشاعر محددة عنده؛ فعندما تقوم باستدعائها تستدعي معها عواطف ومشاعرٍ ما مُعلقة ويريد التعامل معها على نحوٍ ما، وحينها سيأمل أن يكون منتجك يقوم بحل تلك المشكلة بشكلٍ حاسم وستزيد من احتمالية تفاعله مع قصتك.
استدعي المخاطر المحفوفة بالقصة
القصة الناجحة دائمًا ما تبرز المخاطر المحفوفة بالبطل وبالشخصيات الرئيسية في القصة، والتي تبقى دائمًا “محتملة” ومرهونة بسير الأحداث في اتجاه محدد أو نتيجة صراع ما. يجب أن تستعرض منتجك في دور البطل الذي يكون في صراع دائم ومخاطر محتملة في حال الاستسلام اتجاه حل المشكلة التي يتولاها
مثال | كـ فرد من ضمن فريق مسؤول عن منتج رقمي في قطاع التعلم الإلكتروني يمكنني أن أبرز تلك المخاطر قائلاً:
ماذا لو تُركت تجربة التعلم فريسة سُهلة تلتهمها المشتتات المختلفة بالعصر الحديث من وسائل تواصل اجتماعي وألعاب ومنصات باختلاف أنواعها، ماذا لو تُركت تجربة التعلم تقليدية مملة ساكنة غير تفاعلية وغير اجتماعية ومُهملة..
بعد 20 سنة.. ماذا سيكون المستوى المعرفي لدى البشر؟ وإلى أي مدى سيهمل التعلم ويُكره من قبل الأجيال التي لم تتذوق سوى التفاعل والاستمتاع في تجربتها مع كل المحتويات الأخرى؟
اجعل لقصتك هدفًا ودافعًا واضحًا
لن أكون متحمسًا لسماع قصة بلا حدثٍ منتظر وهدف واضح يجعلني شغوفًا بالاستمرار في متابعتها، يجب عند سرد قصة منتجك أن تقرنه بأهداف ودوافع محددة وواضحة، نريد أن نصل إلى النقطة س، نريد أن نرفع المعدل ص من 11% إلى 50%، نريد أن نفعل كذا وكذا. ليكون السؤال الحماسي بعدها: إلى أين وصلت قصتك في تحقيق هذا الهدف؟ على أي نحوٍ تسير الحكاية؟ وبطلك (منتجك) في أي فصلٍ من القصة؟ هكذا تجذب الانتباه.
كمدير منتج.. رأس مالك وسلاحك الأهم هو “الحكي”
تناولنا بالأعلى نصائح وخطوط عامة وعريضة فيما يخص سرد قصة المنتج، لكن هذه القصة قد يكون لها نسخ متعددة؛ يتعامل مدير المنتج بشكلٍ دائم مع أطرافٍ كثيرة، تتفاوت سماتهم الشخصية وتتفاوت أدوارهم.. الشيء الوحيد الذي يجمعهم بالنسبة لمدير المنتج هو: كل فردٍ منهم يحتاج - بشكلٍ أو بآخر- حكاية أو قصة تُروى له ليتم تحقيق المأمول منه. كيف ذلك؟ لنستعرض أمثلة..
يتعامل مدير المنتج غالبًا مع كلاً من: العملاء، مصممي تجربة المستخدم، المطورين، المؤسسين، وقد يتعامل مع بعض المستثمرين إن كان المنتج في طور محدد، بهدف إقناعهم لجلب المزيد من التمويل.
فضلاً عن المستخدم النهائي (في حال كان المنتج B2B والعميل يختلف عن المستخدم النهائي) وكذلك فريق تطوير الأعمال والتسويق والمحتوى وغيرهم.
اسأل عشرة مؤرخين عن التاريخ، وستحصل على إحدى عشر إجابة مختلفة
ما القصة التي يجب أن تُروى لكل جبهة منهم؟
القصة واحدة، لكنها متعددة الأوجه ومتعددة الصيغ، يجب أن تجعل صيغة القصة مختلفة باختلاف المتلقي وأي الأجزاء تشغله أكثر من أي شيء آخر، وتُطعم قصتك بمدعمات لها عند الضرورة، وتعرف أي الأجزاء يمكن اقتطاعها أو اجتزائها بحسب نوعية كل متلقي، دعنا نمر عليهم سريعًا:
المستخدم النهائي: يجب أن تروي له القصة النهائية ومآلات استخدامه لمنتجك، ما القيمة المضافة التي سيضفيها منتجك على حياته؟ وما المعرقلات التي يعمل على إزالتها؟ وكيف ينجيه من تجارب أليمة؟
المؤسس، والمستثمر: يجب أن لا تقتصر قصتك على القيمة المضافة للمستخدم النهائي فقط، وإنما يجب أن تتضمن قصتك فرص النمو التي ستجنيها الشركة وتُصاغ من وجهة نظر استثمارية واستراتيجية ومالية، يجب أن تدعم قصتك بقراءة للسوق وتحليل مستفيض له مبني على مشاكل مزعجة، وقصص لآخرين وتأملات وبيانات وإحصائيات. وكل ما يعزز القصة الجديدة التي تستعرضها.
كان مؤسس شركة “Ring” - التي تم الاستحواذ عليها من قبل أمازون بقيمة مليار دولار- عندما يجد فرصة لمقابلة المستثمرين؛ يسرد جملة واحدة تمثل نهاية مُحمسة لقصة منتجه:
سيقوم منتجنا بحل مشكلة تزايد الجرائم بالأحياء السكنية
المطورين ومصممي تجربة المستخدم: يجب أن تكون قصتك مفعة بالحماس.. الإنتاجية، إنجاز أمر عظيم يحل الكثير من الإشكاليات، يجب أن يكون إخطار بأمر كبير يزعج الكثير من المستخدمين، ويحل مشكلة كبيرة بالنسبة للشركة والعملاء ويشكل فارق حقيقي لكل الأطراف، يجب أن تكون الشخصيات المحورية في روايتك وقصتك الموجهة لزملاء العمل مختلفة ومتعددة، للشعور بمدى أهمية الأمر.
فريق تطوير الأعمال والتسويق: يحتاج فريق الأعمال العديد من “الجواهر”، الذي قد يوظفها بشكلٍ مرن أو “يرتديها” إن جاز التعبير في اجتماعاته مع العملاء المختلفين أو في حملات تسويقية مستهدفة لأنماط محددة من المستخدمين، يجب أن تتمحور قصتك معهم (والتي يحبوا أن يسمعوها منك) على الأشياء التي قد تحسم أي نقاش بالنسبة لهم، وعلى “النوادر” التي يقدمها المنتج والتي تجعله فريدًا من نوعه.
إلى هنا أكتفي وأنهي تدوينتي. أتمنى أن تكون هذه التدوينة قد أضافت إليك بشكلٍ أو بآخر، وأن لا أكون قد أضعت وقتك الثمين في قراءة كلمات لا فائدة منها..
إلى اللقاء في تدوينة قادمة ❤
مصادر استعنت بها لتشكيل أفكاري بهذه التدوينة:
https://www.businesswire.com/news/home/20180508005836/en/Ring-Makes-Successful-Neighborhood-Watch-Network-Available-to-Everyone-With-the-Launch-of-the-Free-Neighbors-App
——
https://www.nawa.ps/ar/post/41439
——
https://jeffgothelf.com/blog/storytelling-a-product-managers-secret-weapon/
——
https://www.productplan.com/learn/product-manager-storyteller/
——
https://productschool.com/blog/product-management-2/storytelling-product-managers/
——
https://www.sudaress.com/alsudani/9299
——
https://getstream.io/blog/storytelling-product-managers/
——
https://getstream.io/blog/storytelling-product-managers/